ادعمنا

النظرية البنائية في العلاقات الدولية - Constructivism in International Relations

إنّ النظريات والمدارس في العلاقات الدولية تهدف إلى محاولة تفسير وتحليل الظواهر السياسية والعلاقات بين الدول، بهدف معرفة الأسباب والدوافع وراء الأحداث الجارية بينها، وبالتالي محاولة التنبّؤ بمسار هذه العلاقات في المستقبل. يمكن اعتبار البنائية مُقترب أكثر من كونها نظرية، هي مُقترب لأنّها مدخل فكري يقدّم منهجاً لدراسة العلاقات الدولية بمنظور سوسيولوجي. فهي قبل ثمانينيّات القرن العشرين كانت اتجاهاً أبستمولوجياً فلسفياً، محور اهتمامه كيف تتشكل المعاني لدى البشر في سياق التفاعل بين خبراتهم وأفكارهم. وهي مُقترب يجعل من الممكن للباحث في العلاقات الدولية وضع أسس نظرية لظواهر السياسة الدولية وتمكنّه من التنبّؤ دون أن تتنبّأ بذاتها بظواهر عامة.

 

نشأتها النظرية البنائية

إنّ نشأة البنائية في العلاقات الدولية مرتبطة بشكلٍ وثيق بانتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي، وهو الحدث الذي فشلت النظريات التقليدية كالواقعية والليبرالية بتفسيره. هذا الفشل يعود إلى أنّ مبادئ هذه النظريات تركّز بشكلٍ أساسي على القوّة والمصلحة الوطنية حين تدرس العلاقات بين الدول.

 

البنائية كنظرية إجتماعية:

مثلها مثل عدّة نظريات في العلاقات الدولية، نشأت البنائية كنظرية إجتماعية قبل أن يتم تطبيقها أو الاستعانة بها في حقل العلاقات الدولية، لذلك من الضروري جداً استعراض مبادئها الاجتماعية من أجل فهم رؤيتها تجاه العلاقات الدولية. تنص البنائية على أنّ العلاقات البشرية تتكوّن من أفكار وليس حصراً من شروط مادية أو عناصر قوّة. بالنسبة للبنائية، فإنّ العالم الاجتماعي ليس مُعطى، أي ليس شيئاً موجوداً في مكان ما بشكلٍ مستقل عن الأفكار والآراء للأشخاص المشمولين به. هو ليس واقع خارجي حيث يمكن اكتشاف قوانينه من خلال البحث العلمي أو تفسيره عبر النظرية العلمية كما قال السلوكيون على سبيل المثال. كل شيء ضمن العالم الاجتماعي للرجال والنساء صنعوه هم بأنفسهم، وهو ما يجعله واضحاً ومفهوماً لهم. العالم الاجتماعي هو عالم مُكوّن من الوعي الإنساني، من الأفكار والمعتقدات، من المبادئ واللغات، من الإشارات والمفاهيم السائدة بين البشر، بخاصة بين الجماعات البشرية، مثل الأمم والدول. العالم الاجتماعي هو نطاق الذاتية المشتركة، حيث يكون له معنى للأشخاص الذين صنعوه ويعيشون داخله، والذين يفهمونه بدقة كونهم هم أوجدوه ويشعرهم بالانتماء والأمان.

 

مفهوم النظرية البنائية في العلاقات الدولية:

تُركز البنائية بشكلٍ أساسي على الوعي الإنساني والدور الذي يلعبه في الشؤون الدولية، بعكس النظريات الأخرى وخاصة الواقعية الجديدة التي تركّز على الجانب المادي وعلى كيفية توزّع القوّة من عسكرية وقدرات إقتصادية، في تحديد توازن القوى وفي شرح سلوك الدول. البنائيّون يرفضون هذا التفسير المادي الحصري، ويعتبرون أنّ أهم عنصر في العلاقات الدولية هو إجتماعي وليس مادي، أيّ أنّ عالمنا بالنسبة للبنائية مُكوّن إجتماعياً في المقام الأول.

يُعتبر ألكسندر ويندت – Alexander Wendt أهم من أسهم في تطوير المنظور البنائي، وقدّم مثالاً ممتازاً لشرح البناء الإجتماعي لواقعنا حينما قال أنّ التهديد الناتج عن 500 سلاح نووي بريطاني بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية هو أقل من التهديد الناتج عن 5 أسلحة نووية لكوريا الشمالية، لأنّ التهديد ليس ناتجاً عن الأسلحة النووية بحدّ ذاتها (البنية المادية)، بل عن المعنى الممنوح لهذه البنية المادية (أي البنية الفكرية)، بالتالي فإنّ الأسلحة النووية ليس لها أي معنى إلا حينما نضعها بالإطار الإجتماعي الذي يحدّد العلاقة القائمة بين كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا من جهة، وبين الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الشمالية من جهة أخرى.

بالنسبة لويندت فإنّ عملية التفاعل بين الدول هي التي تحدّد الهويّات وتخلق المصالح، بعكس ما يفترض الواقعيون بأنّ الهويات والمصالح موجودة مسبقاً، أيّ الدول تعرف هويتها وماذا تريد قبل أن تبدأ بالتفاعل مع دول أخرى بالنسبة للواقعية. يطرح ويندت مثالاً آخر ويقول إذا قررت الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي أنهما ليسا عدوتين، فإنّ الحرب الباردة ستنتهي، أيّ أنّ المعنى الجمعي هو الذي يكوّن البنية التي تنظّم وتحدد أفعالنا وتحركاتنا.

 

نقد النظرية البنائية:

أبرز الانتقادات التي نالتها البنائية وُجهت من قبل خصمها الفكري الألد أي الواقعية الجديدة، وهي:

- شكّك الواقعيون بالأهمية العظمى التي توليها البنائية للأنماط الاجتماعية، بخاصة على الصعيد الدولي، واعتبروا أنّ هكذا أنماط موجودة بالفعل لكنّ يمكن تجاهلها بسهولة من قبل الدول الكبرى حينما تتعارض مع مصالحها.

- لم يتقبّل الواقعيون فكرة أنّ الدول تدخل بسهولة بعلاقات صداقة مع بعضها بناءً على نوع تفاعلهم الاجتماعي، فهكذا هدف ربما يكون مرغوب بالمبدأ، لكنّه غير قابل للتطبيق بالممارسة، لأنّ تركيبة النظام الدولي تجبر الدول على التصرّف بأنانية.

- من المشاكل التي أغفلتها البنائية هي شعور الدول بالريبة أو عدم اليقين تجاه بعضها البعض، أي عدم التأكد من النوايا الحقيقية سواء الحالية أو المستقبلية. كذلك أغفلت مشكلة الخداع، فالبنائية اعتبرت أنّ التفاعل الاجتماعي بين الدول يكون صادقاً وصريحاً على الدوام.

المصادر والمراجع:

الباحثون السوريون، المدرسة البنائيّة في العلاقات الدَّوْليّة - الجزء الأول مدخل إلى المدرسة البنائيّة، تاريخ آخر دخول 2020/11/01 الساعة 21:14

Sarina Theys, International Relations Theory, E-International Relations Publishing, first edition, 2017, England.

Robert Jackson & Georg Sorensen, Introduction to International Relations – Theories and Approaches, Oxford University Press, third edition, 2007, USA.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia